الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

الجزيرة المسحورة

حلّق الطائر في كبد الفضاء ..فوق محيط الأرض بقضاء.. رأى من الأفق البعيد شيئا يتلألأ تحت سطح الماء فجأة ..أخذ يهبط رويدا رويدا .. ويقترب خلسة من صفحة المرآة .. ماهو اللامع يا تُرى ؟ ما هو المميز بهذه الصفحة؟ اقترب أكثر فإذا بحورية بحر صغيرة .. قدر الكفّ استغرب من شكلها .. ابتعد قليلا واقترب منذهلا مندهشا.. فرّ هاربا لاقرب شجرة على شاطئ الجزيرة مسحورا مبهورا ... أطرق قليلا وقال في نفسه: ما بال هذه السمكة .. لا بل الفتاة الصغيرة ؟ حلّق ثانية فوقها ليتأك من شكلها وعاد ليحط على صخرة كبيرة ألوانها بلون الكبرياء وكأنها تحمل كنزا ملون الجواهر .. لم يعرها اهمية .. قال : ما بال الألوان اليوم تشبه الوان ريش المحبوبة؟ تلك السمكة النصفية وهذه الصخرة العاتية المتكبرة .. فإذا بالصخرة تتململ وتتحرك من تحته .. اخذ يحرك رجليه ظنا من أنه أصيب بدوار من دهشته بمنظر السمكة .. طار باتجه المخلوق الغريب .. سمع تمتمات منها تقول : حبيبي الم تعرفني ؟ صعق من الكلام .. ردد كل شيء غريب هذا اليوم الشمس باهتة ، الصخرة تتحرك ، هذا المخلوق الصغير يناديني بالحبيب، ما الامر ؟ اقترب اكثر فأكثر ، فإذا بها تقلب نفسها لتريه ريشتها المذهبة التي اهداها لها. ذهل من الامر ، من أين لهذا المخلوق أن يحصل على ريشة الوداد؟ من هو يا ترى ؟ حينها قرر الاقتراب من المخلوق أكثر فأكثر .. فإذا بها تتمتم : حبيبي ساعدني ارجوك وضعي اصبح سيئا ان غابت الشمس علي لمدة ثلاثة أيام وانا بهذه الحالة سأموت من سحر الصخرة ... وصمتت أدرك حينها أنها حبيبته ولكن كيف؟ ومتى؟ لماذا؟ هل يُعقل ان تتحول المحبوبة الى مخلوق غريب مجرد رؤية صخرة جميلة ملونة ؟ طار ليحط على الصخرة من جديد مطرقا مفكرا مذهولا .. ما بيده أن يفعل هل ينسى الامر ويطير؟ هل يبقى وينجدها ولكن كيف؟ فإذا بالصخرة تتململ تحت قدميه ، ويظهر لها وجها يشبه وجوه البشر ؛ عينان ، فم ، حاجبان كثيفان ، لحية ... وإذا به يسمع ضحكة وترتج الصخرة بقوة ، مسح عينيه ليتأكد مما يرى ، فإذا به يرى الصخرة تشق محاولة ابتلاعه، حلق بآخر لحظة وحط على غصن شجرة قريبة ، ابتسمت الصخرة قائلة : الا تود ان تكون كحبيبتك؟ أو على الأقل تفكرا معا كيف الخلاص من المشكلة . صمتت وانطبقت وتغير لونها بحلول الغروب الأول على الحبيبة ، الطائر مرتبك ، حزين ، مندهش، مذهول صامت لا يدري ما يقول!!! كل ما حوله مسحور
مبهِر !! ما العمل؟ نظر الى السماء رأى الغيم والسحب باتلاف
تتفق على موعد لتساقط المطر ، الحبيبة في خطر ، قل لي يا رب العرش العظيم ، ماذا أفعل ؟ وما بيدي حيلة وانا طائر ضعيف. وإذا بالشجرة تحرّك فرعها وتقرّبه من جذعها لتحميه من خطر المطر المسحور ، وهي تقول : لا تخف يا صغيري سأحميك بجوف جذعي حتى تجد الحل والسرور. قال الطائر : من أنت ؟ أجابته بصوت خافت يائس ، أنا من أرض خضراء بعيدة ابنة تلك الأرض الدافئة جئت مع حبيبي يوما الى هذه البقعة المسحورة شعرت بالظمأ الشديد فشربت من ما النهر فإذا بي أتحول الى شجرة التصق بأديم الأرض ، أما حبيبي فأصبح صيادا ، يعمل نهارا ويتحول ليلا الى صقر يأتي ليحط على فرعي ونمضي الليل معا ، قال الطائر : وما الحل برأيك ؟ قالت : إن ارتوت جذوري بماء البحر أتحرر ، وإن وجد عقدي اللؤلؤي بقعر الماء يتحرر حبيبي. صمت الطائر عندما حضر النسر خوفا من ان يراه ويأكله .

استقبلت الحبيبة حبيبها الذي راح يذرف دموعه على فروعها . حبيبتي كم اشتقت لك. انت انا ، والحرقة تشعل فؤادي . كل يوم يمر اشعر به دهرا ما العمل ؟ متى يأتي المنقذ لحياتنا ؟ ضحكت الشجرة ومررت فرعها على ريش حبيبها قائلة : لا عليك ها قد وصل حبيبي ولكن عدني بالامان له . اجابها : أين هو : له الأمان حبيبتي.
خرج العصفور خائفا مرتعشا لأوّل مرة يقف امام نسر عظيم. عظامه تتخلخل رعبا.قال بصوت مرتجف: اهلا سيدي . ضحك النسر وقال لحبيبته: هل هذا المخلوق الصغير من سينقذنا؟ نعم حبيبي الم تسمع بالمثل القائل " يضع سرّه بأضعف خلقه" . حبيبي سيساعدنا ونساعده غدا صباحا ستنزل الى البحر لتأتي بالحورية الملاصقة بالصخرة اللعينة . وما افعل بها حبيبتي؟ إنها عصفورة صغيرة حولتها الصخرة الى حورية ، إنها حبيبته. قال الطائر الصغير : غدا سأطلب من محبوبتي أن تغوص بقعر البحر لتجد العقد لتحريرك. و يبقى علينا ان نبحث عن طريقة لنحرير المحبوبتين. في الصباح الباكر ،وقبل استيقاظ الصخرة الشريرة . عاد النسر الى طبيعته خائر القوى ، وانطلق مع الطائر نبهتهما الشجرة من المخاطر ودعت لهما. اقترب الطائر من حبيبته، وجدها تتأوه ألما، قال لها : حبيبتي استيقظي من سباتك وعودي الى رشدك ، حاولي ان تصلي قعر البحر لتجدي قلادة مرصعة بالجمان . اجابته لا اقوى على الحراك جسدي يؤلمني ينكمش بجلد الاسماك . قال :ارجوك حبيبتي حاولي، لأن فيه الخلاص ، وقبل بزوغ الشمس غاصت الحورية تبحث، وتبحث، حتى ضاق نفسها صعدت الى سطح الماء فإذا بموجة عاتية قوية تنال منها الموجة التي تحرس الصخرة وتلقي بالحورية على رمال الشاطئ، امسك بها الصياد واعادها الى الماء من جديد، انطلقت بكل حيوية تبحث عن العقد وتوارت عن الانظار الى ان انتهى النهار وغابت الشمس للمرة الثانية ، وتحول الصياد من جديد الى نسر قابع على فرع محبوبته، والطائر الصغير يختبئ من جديد في جذعها ، اما الصخر ة المسحورة كانت طياة النهار تسخر من الصياد لعدم نيله الرزق في ذلك النهار، تبحث بنظرها الجائل في الفضاء عن الطائر ، واحتارت بامر الحورية التي لم تجدها، وفي صباح اليوم التالي،انطلقا من جديد الى الشاطئ قبل بزوغ الفجر بعد ان تحرر الصياد من ريش النسر، لم يجدا الحورية ، قال الطائر : ما الذي حصل لحبيبتي ؟ وأخذ يبكي ، قال له الصياد: لا عليك ما زال لدينا الوقت . استيقظت الصخرة اللعينة من نومها ضاحكة عليهما ، لا تدري ما يجول حولها ،
جاع الطائر واقترب من الشاطئ القريب من الصخرة لينقد بعض انواع الحبوب المبعثرة . فإذا به يسمع صوت نملة تقول لصديقاتها : لو يدري الصياد ان العقد مزروع تحت الشجرة ، وأن بالريشة المذهبة يستطيع أن يطفئ عيني الصخرة فتتحرر كل الكائنات المسحورة لانتهي الرعب عن ارض الجزيرة التي كانت آمنة قبل حضور ذلك الساحر الذي حول الصخرة الى مسحورة ومات على الشاطئ. اسرع الطائر الى الصياد ليخبره بما سمع ، ولكن الوقت يمر والحورية مازالت غائبة ، تذكر الطائر اغنية حبيبته المفضلة وراح ينشدها و ينشدها مرارا وتكرارا، والصخرة تزمجر ، وتزمجر وتهتز كالزلزال ،
وقبل الغروب ظهرت الحورية منهكة خائرة القوى ، لا تقو على الاقتراب من الصياد وحبيبها ، سبح الصياد ذهابا وإيابا لمدّة ساعة ، والحورية بيده أخذ الريشة المذهبة منها و وضعها على الارض قرب محبوبته. واتجه الى كوخه ليحضر رفشا لحفر التربة حول الشجرة ، وخلال نصف ساعة من الحفر وجد العقد الذي طوق به عنقه فعاد انسانا محررا من السحر واتجه الى الصخرة التي كانت تمنع مياه البحر بالوصول الى جذع محبوبته، والطائر دائما وابدا بخوف على ان يمر الوقت على حبيبته ، وكان يحث الرجل على الاسراع، الرجل اعتلى الصخرة التي شقّت بدورها لتبتلعه وتسحره من جديد ، ولكن الصياد كان اسرع منها ما ان رأى العينين حتى غرس فيهما الريشة الذهبية وأطفأهما وهكذا تحررت السمكة وما حولها من السحر ، واندفع ماء البحر منشدا نشيد الحرية ليروي جذور الحبيبة التي عانقت حبيبها
واقفلا عائدين الى بلادهما بعد ان ودعا الطائرين الصغيرين .

@ جمانة عيتاني @* شاعرة الكلمة * لؤلؤة الجمان*
— مع ‏‎Rida Yazbeck‎‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق