الجمعة، 28 ديسمبر 2012

الغابة المسحورة

**الغابة المسحورة**
مع غروب كل يوم، كانت لين تعود من طريق الغابة المسحورة الى بيتها، كانت تحب الحيوانات، كانت تطعمها بعض الخبز الذي كانت العجوز المريضة تمنحه لها، كانت تحاكي القمر والنجوم، وكانت تتمنى من الله ان يمنحها القوة لتخدم العجوز المسكينة التي سافر ولدها الوحيد للعمل خارج البلاد، وانقطعت أخباره منذ سنين طويلة، الطيور تنتظرها لتحط على كتفها وتنقد الخبز من كفها، الحيوانات تسير خلفها
تستمع لصوتها العذب يصدح بأغان جميلة وموسيقى رائعة الألحان. عند وصولها الى البيت، كانت تجلس على درج بيتها المكشوف للسماء، تناجي الفضاء، تحدّث النجوم، تستمع لصوت حفيف أوراق الأشجار
المتراقصة مع تحرك الهواء، عطر الأزهار يفوح من بين يديها، ما ان يحل الظلام الدامس، وتشعر بغفوة القمر والنجوم، تدخل إلى بيتها تعمل على تنظيفه قبل النوم.
في أحد الأيام بينما كانت في الغابة تطعم الطيور وتنشد أغنية جميلة، هبّت عاصفة قوية، أوقعتها أرضا
أمام صخرة كبيرة، فإذا بها تسمع صوتا يشبه صوتها، يردّد أغنيتها المفضلة، أخذت تكلم نفسها: أيعقل أن يكون داخل الصخرة أو تحتها إنسانا؟ أم أنه من أهل الجن؟
نادت : من يحدثني؟
عم الصمت المكان .لا أحد يجيب والصوت اختفى. أعادت النداء ثانية، وثالثة ...وعاشرة. فإذا بالصوت يجيب: أنا يا لين.
قالت: من أنت؟هل أنت إنس أم جان ؟
رد قائلا: أنا من الإنس ساكن هنا منذ أعوام، حبسني ساحر شرير، لأني رفضت أن أزوّجه من أختي، وأنا أمير البلاد الخضراء البعيدة من هنا، أرجوك ساعديني يا لين، أكون عبدا لك منذ الآن.
أجابت بصوت خافت مخنوق : وكيف لي أن أساعدك؟ أنا فتاة فقيرة أعمل على رعاية امرأة عجوز لأعيل نفسي .
قال: الأمر بسيط يا لين، سافري الى بلادي، وأخبري والدي بأني حيّ تحت هذه الصخرة، أخبريه بشوقي للجميع . ولكن احذري أن يحضر الساحر وتكونين هنا، وإلا حجزك مثلي، فهو يحضر لي الطعام كل يوم عند العصر، وأحيانا عند الغروب، يجلس خلف الشجرة ليستمع الى صوتك، حذاري منه إنه شرير.
أما أنا فيختفي صوتي طيلة النهار مع تدفّق خرير ماء النهر، ويعيده لي عند الغروب حتى شروق الشمس. إنه يريد أن يتودد منـ... وغاب الصوت ....
نادته الفتاة :أيها الأمير أين أنت ؟ يريد التودد مِن مَن أجبني؟ لا صوت لا حركة الغابة كصحراء
قاحلة، لاأشجار، لا طيور، لاحياة ، الشمس مع ولادتها، أخفت كلّ شيء، ما الأمر؟ لم أر الغابة على هذه الحالة من قبل؟ تذكرت كلام الأمير، واتجهت إلى بيتها. يومها لم تغمض جفنيها، أخذت تفكّر بطريقة لتخلّص الأمير، ولكن أدركت أن عليها مكالمته من جديد، لتعرف الأكثر، لربما ساعدتها المعرفة على إيجاد طريقة محكمة لتخليصه. غفت على الكرسيّ إلى ان حان موعد ذهابها إلى العجوز، تردّدت بعبور الغابة خوفا من الساحر، ولكنها فكّرت بأن تدع كلّ شيء كما كان ، وكأنها لم تعرف شيئا، حتى لا يعمّ اللبس نفس الساحر الماكر، ويمكر لها، بدّلت ملابسها وانطلقت إلى عملها عند العجوز، الفكر مشتت، لم تأكل، ولم تشرب، أخذت تسأل العجوز عن عمر الغابة وهل زارتها في صباها، أجابتها :أي غابة حبيبتي ؟ تلك التي بطرف القرية، والتي تصل قريتكم بقريتي، أطرقت العجوز قليلا قائلة:لا تدخلي الغابة بنيتي، لا تقتربي منها، إنها حديثة العهد، سمعت أهل القرية يتحدثون عنها منذ خمس سنوات، الكل يبتعد، الكل يخاف، يقولون أن كل ما فيها مسحور، وأن من دخلها اختفى، دبّ الرّعب في نفس الفتاة ، وأخذت تحدّث نفسها واحتارت بأمرها، هل تخبرها ما حدث معها، ام تكتم السر ؟
القكر مشغول، والعين شاردة إلى جهة الغابة، ما المصير لذاك الأمير،
مرّت أيام ، والفتاة مازالت عند العجوز لأنها مرضت فجأة ، لم يكن بالإمكان تركها، والغابة الخضراء بقيت ليل نهار خضراء لم تتبدّل ، ما الأمر يا ترى ؟ لِم بقيت خضراء؟ لِم العجوز يتبدّل تصرّفها ليلا ؟ ولم تعد تطلب مني إعداد أشهى المآكل؟ لِم صوتها أجشّ، لِم الشعر يظهر كثيفا على خدّيها، لِم غضبت مني عندما أخبرتها بأمر الغابة؟
ها هي تنادي : لين ، ما الذي رأيتيه في الغابة أخبريني؟
أجابت الفتاة : لا شيء غير طيور وبعض الحيوانات الأليفة. وأشجار خضراء لم أشهد مثلها من قبل.
قالت العجوز : هذا كل شيء .
اجابت الفتاة : نعم، هذا كل شيء .
خرجت الفتاة الى حديقة المنزل وأخذت تحدّث نفسها : ما بال العجوز؟ من هي؟ لفت نظرها فجأة أن الخضار التي تقطفها سرعان ما تثمر من جديد.
نظرت من نافذة مطلة على غرفة العجوز، والدنيا غروب، رأتها تتبدل إلى رجل ، تدخل المطبخ لتحمل كمية كبيرة من الطعام، تختبئ الفتاة خلف شجرة في الحديقة ، ثم تتبع الرجل ، فإذا به يدخل الغابة
يتمتم بعض الكلمات ، تشق الارض وتبتعد الصخرة ، ويعطي الطعام لمن تحت الارض ويتمتم كلاما لتطبق الأرض من جديد، عادت الفتاة أدراجها، قبل ان يلحظها الساحر ، ودخلت المطبخ لتحضر طعام العشاء، دخل الساحر رأسا الى غرفته، بدّل ملابسه السوداء وتمدد في سريره، نادى: لين، أين أنت؟
أجابت : أنا في المطيخ أحضر طعام العشاء، الفكر تائه، أصبحت لين تخاف العجوز، ما أن نضج الطعام حتى أحضرته الى سرير العجوز على صنية كبيرة، داست على شيء صلب ما هو يا ترى ؟ أبصرت خاتما متوهّجا، لم تتكلم ، تركته مكانه وعادت الى المطبخ كالعادة لتتناول بعض الطعام، فإذا بها تسمع صوت العجوز، لين انهيت عشائي، عادت إلى الغرفة لتأخذ الأطباق ، وجدت العجوز في بيت الخلاء، رفعت الخاتم عن الأرض وخبأته في حلّة الطعام، خرج الساحر مرتعدا صارخا: لين هل وجدت خاتما في غرفتي؟ انكرت معرفتها بامر الخاتم، ظنّ انه وقع برحلته إلى الغابة، لم تعد الفتاة تستطيع النوم، أمر العجوز يحيرها، كذلك أمر الخاتم، والغابة، والأمير المسحور، والأرض والصخرة، الأمور حولها مبهمة مريبة، جلست في صالة البيت، والظلمة حولها تفكر بكل الأمور المحيطة بها، فإذا بها ترى العجوز ينادي جميع حيوانات الغابة، ويطلب منها أن تبحث له عن الخاتم، توترت أعصابه، ثورته يجعلته يقول: لو وجدت الفتاة الخاتم، لاستطاعت أن تقضي على سحري ، ولعادت الحيوانات إلى طبيعتها الإنسية، ولشقت الأرض
وعاد الأمير إلى بلاده، ولكن لا بأس لن تعرف أن عليها أن تقول: ايتها الشمس اجتمعي مع القمر، واقطفي أزهار الحقل البنفسجية والحمراء، وانسجي منها قبعة للأمير ، ثلاث مرات متتالية وتدعك الخاتم لينتهي أمري، وإن قالته وهي بعيدة عن الصخرة لن تصل إلى نتيجة. سارعت الفتاة إلى حلّة الطعام،وجلبت الخاتم، ووضعته على عتبة الدار، دخلت إلى العجوز تستأذن منها بالعودة إلى بيتها لتحضر بعض الملابس، وافق الساحر بعد ان تأكد بأن الخاتم ليس معها، لم يلمع من جيبها، خرجت الفتاة حاملة الخاتم بقبضة من تراب ، كي لا يظهر بريقه، دخلت الغابة، الحيوانات رحبت بها، انشغل الكل بها عن البحث عن الخاتم، إلى أن وصلت إلى الصخرة، نظفت الخاتم من التراب، ورددت ما قاله الساحر ثلاث مرات، فإذا بكل شيء يتحرر، وتتحول الحيوانات إلى أطفال ، والأشجار إلى منازل جميلة، كانت سمعت من أمها أن هناك قرية اختفت بمن فيها، الصخرة تتحرك، والأرض تشق، ويخرج منها أمير جميل ، فجأة تسمع صوت تكسر فإذا بقصر الساحر يتبعثر، والدخان الذي تحول اليه الساحر يتطاير في الفضاء ، أسعد الجميع بصورتهم ، وشكروا لين فعلتها، فإذا بالأمير يبهرها جمالها ويتقدم لخطبتها، وهكذا تزوجا ورحلا معا إلى بلاد الأرض الخضراء، لتعلن وزوجها أفضل ملكين في العالم أجمع.
@ جمانة عيتاني @
* شاعرة الكلمة * لؤلؤة الجمان *
**************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق