الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

تاج الأمنيات

بعتمة ليل من أيام الشتاء وفي كوخ صغير على شاطئ البحر استيقظت فتاة صغيرة على صوت الرعد القوي ، البرق ابهر نظرها ، والرعد أخافها ، ارتعدت ،هلعت ، اسرعت الى حضن الأمان ، إلى سرير امها التي احتضنتها وشدتها إلى صدرها، قائلة : ابنتي حبيبتي ما الذي يخيفك؟ انه مجرد رعد وبرق ، حيث تتحضر الغيوم لهطول المطر ، وإذ بالفتاة ترتعد أكثر ، وأكثر .
_ ما بك يا طفلتي ؟ لا تخافي أنا معك .
غطت الفتاة وجهها بكفيها وهي تصرخ مرتجفة ، إنها هناك تناديني ، أمي لا تدعيها تأخذني ،
- من بنيتي ؟
- امي هي امرأة جميلة ولكني لا اعرفها ، ألا ترينها؟ أرجوك امي تمسكي بي ،
خافت الأم على طفلتها الوحيدة ، وأخذت تتساءل : هل مسها الجنون ، أم أنها رأت حلما مزعجا ؟التفتت الام الى المكان الذي أشارت له ابنتها فلم تجد شيئا. حضنت ابنتها حتى غفت وهي على صدرها .
في وقت السحر ، مع هطول المطر الغزير ،اشتد الرعد من جديد والبرق أظهر المكان وكأنه مضيء بنور الشمس، استيقظت الفتاة مرتعدة ، لكنها لم تصرخ ، أمسكت بيد أمها، و وجهت نظرها حيث انبثاق الضوء من زاوية الغرفة ، فإذا بها ترى نفس المرأة الجميلة، كانت تقول لها : تعالي نلعب معا . والفتاة الصغيرة تنظر إليها مبهورة
ويزداد الضغط على يد الأم ، وأعادت المرأة الطلب مرات ومرات ... والفتاة تهز بكتفها رافضة . فجأة ! تترك الفتاة يد الأم ، وتجلس في السرير ضاحكة من طيران المرأة على مكنستها حاملة عصا يضيء رأسها بنجمة مذهبة . وكلما خفت نور الغرفة كانت هذه المرأة تضرب زاوية الغرفة بعصاها لتشع من جديد، وتعود لتحلّق في الغرفة ، اقتربت المرأة وأخذت تتودّد من الفتاة ، حتى حملتها و وضعتها خلفها، وجالت بها ،ما ان وصلت الى سقف الغرفة ، حتى رأته ينفتح وترى السماء زرقاء صافية ،دُهشت من جمال السماء ، والحقول الخضراء ، الثمار على الأشجار من كل نوع، الفراشات تحط على رأسها، انخفضت المكنسة بهما ، وطأت الفتاة الأرض وكأنها لأول مرة تسير على قدميها ، شعرت بخفة ورشاقة جسدها وهي تطارد العصافير ، وتقطف الأزهار الملونة التي لم تشاهد مثلها في حياتها،كانت المراة تضرب الارض بعصاها السحرية ، وتشق الدرب أمامها ، تجمعت الحيوانات حول الفتاة ، الغزلان ، والارانب، والطيور المغرّدة،،، استلقت الفتاة تحت جذع الشجرة وغفت وأمارات السرور على وجهها ، في الصباح استيقظت الفتاة لتجد نفسها في حضن أمها،
ومن يومها كانت الفتاة تنتظر ليلة ممطرة كتلك الليلة ، وتجلس على السرير ناظرة الى نفس الزاوية . عشرة أيام والفضاء تملأه النجوم ، والقمر يسطع ، والفتاة تنام حزينة ، لم يعرف أحد سر حزنها في الأيام الأخيرة ، جالت بها أمها عل الكثير من الأطباء ، ولكن محالة ، الفتاة بذهول تام ، لا تنطق، لا تأكل ، لا تلعب، ... جالسة ترنو الى الزاوية ، او الى السماء ترجو الله ان يهطل المطر ، ها قد تلبدت السماء بالغيوم ، تعد بهطول المطر ، الفتاة متأهبة ، سهت عينا الفتاة ، فإذا بيد توقظها من سباتها قائلة : فاتنة ! فاتنة ! انهضي نلعب معا. صعدت الفتاة خلفها على المكنسة ، واتجهتا الى الحديقة الجميلة ، حيث انطلقت تلعب مع صديقاتها ، بعد مرور ساعة من الزمن، اصطحبتها المرأة الى قصر كبير في طرف الحديقة الواسعة ، حيث التقت بفتاة من عمرها ، ، كانت المائدة ممدودة امامها ، دعت لمشاركتها تناولتا معا من أصناف الأطعمة ما لذّ وطاب، قالت الفتاة لها : كم أتمنى أن تكوني صديقتي ، نلعب معا ، ونتناول الطعام معا ، ولكن ... وخيم السكون على المكان، فإذا بالفتاة تنهض من مكانها وتقصد خزانة في غرفة الاستقبال ، لتحضر تاجا مذهّبا ، وتضعه على رأس صديقتها ، أرجوك اقبلي مني هذه الهدية ، وكلما احتجت لشيء ضعيه على رأسك ، ستجدين كل شيء تنفذ لك بالحال،
أجابتها فاتنة : مثل ماذا؟ ردت قائلة : أي شيء صعب حبيبتي،فهو تاج تحقيق الأمنيات ، ضحكت الفتاة وقالت: أيّ شيء ، أي شيء ؟
أجابتها : نعم أي شيء .
صمتت الفتاة وراحت تلعب مع صديقتها الجديدة ، في ذلك القصر حتى الفجر، وإذ بها تغفو تحت الشجرة عينها ، لتجد نفسها في اليوم التالي على سريرها ، تحتضن التاج، خائفة عليه ، سألتها والدتها : من أين لك هذا التاج بنيّتي ؟
أجابتها : من صديقتي . وها هي الاشراقة تعود لها ، والحياة الطبيعية تدب في أيامها ، كل شيء جميل ، السعادة تغمر نفسها ، وفي إحدى الليالي ، وبينما كانت تداعب التاج بأناملها الطرية ، يخطر في بالها أن ترى والدها الذي سافر ولم يعد، سافر قبل ولادتها، قالت في نفسها: لِمَ لا أجرب التاج بأمنيتي؟
رفعت الناج وأغمضت عينيها، ولفظت أمنيتها، الظلام دامس ، غفت الفتاة ، والتاج على رأسها ، وفي الصباح ، قُرع باب الكوخ، فتحت الفتاة الباب ، فإذا برجل ينظر إليها مطرقا، سائلا بنبرة صوت لطيف: من أنت أيتها الجميلة؟
- أنا فاتنة . ومن أنت؟
- انا صاحب الكوخ ،
- كيف ذلك ؟ وأنا ابنة صاحب الكوخ .
- ضحك الرجل وسأل : من هو والدك؟ من هي أمك؟
- والدي صياد بسيط تعاقدت معه شركة وسافر قبل ولادتي ولم يعد. وأمي أمرأة طيبة ، تعمل في المصنع القريب حيث تحوك الكنزات الشتوية ، انفردت أسارير الرجل ، وقال: انا ذاك الصياد بنيتي ، تاهت بنا السفينة ، وتحطّمت بالقرب من جزيرة بعيدة جدا ، ولا أدري كيف عدت اليوم إلى هنا، حتى اجد ان لي ابنة تشبه القمر ، وحملها بين ذراعيه ، مناديا زوجته، فرحت الام بعودة الوالد جدا، فهي التي لم تقطع الأمل بعودته. وأخذت الفتاة كل يوم ترفض النوم إلا بجوار والدها ، تعانق التاج الذي أيقنت سر عمله،

بعد أيام وجدت الفتاة والدها يحزم امتعته، سألته عن السبب ،
- ابي الى أين؟
- إلى الجزيرة لأحاول إنقاذ رفاقي .
تمسكت الفتاة بأبيها وأدخلته إلى غرفته، قائلة : امنحني شرف السفر معك ،ابي ، أرجوك.
- لا بأس بنيتي.
ودعا الأم التي بكت لفراق ابنتها لاول مرة ، ولسفر زوجها من جديد متمنية لهما العودة بالسلامة.
في عُرض البحر تعرضت السفينة لعاصفة هوجاء وأمواج عاتية ، دخلت الفتاة لتضع التاج على رأسها وتتمنى السلامة وغفت مع تاجها، وفي الصباح ، شعرت بيد والدها توقظها برقة وحنان، ونزلا الى مركب صغير ليتجها الى الجزيرة ، وهناك امضت مع الجميع أياما سعيدة، ولكنها فقدت التاج بسقوطه من يدها اثناء العودة الى السفينة ، نعم سقط من يدها، الجميع نزل ليبحث عنه ولم يجده احد، ضحكت قائلة ، ما التاج يا أعزائي سوى وسيلة لامنية من قلب صادق. لأنها ادركت أن مهمة التاج انتهت بحصولها على والدها المفقود، وعلى اصدقائه الذين عادوا الى أولادهم بعد غياب طويل ، وهكذا عاشت الفتاة بين والديها سعيدة ، ولم تخبر أحدا بقصة التاج .
@ جمانة عيتاني @ * شاعرة الكلمة * لؤلؤة البحار *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق